
أين الكاتب من شخصياته الأدبية ؟
يرى البعض أن مهمة الكاتب أن يكتب فقط ، أما حياته الخاصة فهي ملك له وحده إلا أذا وجد فيها شيئا يهم الناس .
و الحقيقة هي أن الكاتب الحق لا يمكنه أن يبدع بمعزل عن حياته الشخصية و حياة من حوله و إلا فقد عطاؤه الحس الإنساني و تاه عن غايته الأساسية في خلق فكرة أو تصور ما داخل ذهن القارئ يدفعه إلى استكشاف ما حوله و صقل نظرته لكثير من الأمور المتباينة و إدراك جوهرها .
ما تثبته التجارب على الساحة الأدبية هو أن الأعمال الأدبية الأكثر خلودا و حضورا في الذاكرة هي تلك التي تضم في طياتها بعضا من السيرة الذاتية للكاتب و لمجتمعه الصغير ضمن إطار أدبي متالق مما يقوي حضور الرواية في النفس و الذاكرة و يشعر القارئ بقربها منه ومن واقعه و هذا ما يبرر قولنا و بسعادة و دهشة واضحتين عندما نمرعلى فصل أو موقف أو جملة في رواية ما أو قصة ما : كأن الكاتبيتحدث عني أو حدث ذات الشئ معي “ و بهذا يكون الكاتب قد تمكن من تعميم التجربة الإنسانية الفردية على مجموع بشري كبير في مجتمعات و بيئات مختلفة .
و يحضرني على سبيل المثال لا الحصر – الوباء – للروائي السوري هاني الراهب و – طيور الشوك – للكاتبة البريطانية المبدعة كولين مكلو حيث لاقى العملان نجاحا منقطع النظير تجلى في ترجمتهما إلى أكثر من لغة عالمية و أعادة طبعهما ، و طبعا لا يغيب عن الذهن رائعة طه حسين ” الأيام ” و غيرها من الروايات التي تناولت بشكل واضح التجربة الحياتية للكاتب دون مواربة .
و يعود نجاح هذه الأعمال الأدبية و نظيراتها إلى تعامل الكتاب مع القضايا و القصص التي طرحوها بعيدا عن التكلف و التعقيد و خلق الحدث لمجرد الخلق متكئين على البراعة في إكساء الواقع المجرد ثوب الأدب المزركش ، و توظيف الخيال بما يخدم مصلحة العمل الأدبي ، و هكذا يجد القارئ أن هذا النوع من الروايات يحرك في روحه و فكره أمواج بحار من الجمال و التفاعل والأحاسيس في مواقف مختلفة بكل حلاوتها و مرها بينما تعجز عن خلق هذا الشعور تلك الكتابات التي يحاول كتابها أن يحلقوا بعيدا عن تجاربهم و حياتهم ليخلقوا – و بشق النفس – الموقف و الشخصية و الكلمة .
ريم كامل ياسين
عضو مجلس إدراة الإتحاد العربي العم للمثقفين العرب