بينهما فوارق"الحياء"

إن كلمة الحياء لفظة مشتقة من الحياة، ومعنى الحياء يدور حول التوبة والحشمة، والتغير الذي يعتري الإنسان من خوفٍ ما، ولا يُعاب به، وهو مزية كمال لا مزية نقص،كما يعتقد البعض، ومن الحسن أن يحظى المرء به، فقد تربع على عرش الأخلاق التي منحها الله لعموم البشرية وميزها به عن بقية المخلوقات. وقد ضرب الله فيه أمثلة كثيرة بشتى أنواعه المختلفة: “إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم” وقوله تعالى:”وجاءته إحداهما تمشي على استحياء فقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا”. وقد برهن لنا أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة فيه، وتمثل ذلك في حياء الصحابي الجليل عثمان بن عفان الذي استحت منه الملائكة.     

  فقال عنه صلى الله عليه وسلم: “إن عثمان حيي ستير، تستحيي منه الملائكة”. إذن علينا أن نتيقن جيدًا أن الحياء خلقٌ جميل جعله الله رداء للبشرية، وذكره في كتابه الكريم في مواضع مختلفة، وكلّ موضع منه يرمي إلى هدفٍ منشود. وذكر لنا الله تعالى حياء النبي صلى الله عليه وسلم الذي شهد به القرآن؛ ليرينا جمال هذا الخلق العظيم. وأيضًا ذكر لنا رسول الله حياء سيدنا عثمان، وكيف كانت تستحي منه الملائكة. 

إن الآيتين السابقتين إشارة لحياء الجنسين؛ فحياء الرجل والدلائل على جماله كثيرة لم يترك لنا القرآن شيئًا في شأن ذلك إلا وأبان مقصده. ربما الكثير يرى أن لا ضرورة أن يكون الرجل ذا حياء، لكن ذلك ليس إلا من دناءة النفس، وعدم شكر نعمة استكمال الفضائل. أما كان لعثمان شأنٌ عظيم عند ملائكة السماء؟ لقد كان خير من ضرب لنا رسول الله فيه الأمثلة؛ ليوقظ الفطرة الأزلية التي باتت في اندثار مع عصر التقدم. فأن يكون الرجل ذا حياء في كلماته وأسلوبه وشخصيته ليس عيبًا، وإنما ذلك يُعد من كمال المروءة والرجولة؛ مما يجعله يضع كل شيء في مقياسه الصحيح. وحياء سيدنا عثمان أثبت جمال ذلك الخلق في الرجل.  

 أما حياء الأنثى فقد أشار إليه القرآن في حياء ابنتي شعيب؛ إذ ذُكر في الآية أكثر ما يميز حياء المرأة، وهي”مشيتها”. وتدرج حياء المرأة في مواطن أُخر تصف بدقة حياءها ابتداءً من مشيتها، ثم صوتها، وارتفاع وانخفاض كلماتها، وصمتها؛ لذلك نجده بخصوصها متوسعًا؛ لكون الأنثى فطر الله فيها هذا الخلق العظيم. نعيش الآن فترةً من الدهر جعلت منه كماليًّا لابأس في انعدامه، بل وأصبح في بعض الشعوب رمز ضعف،وسقطة أخلاقية، بل ويراه البعض وصلة حتمية للخجل حتى اختلطت علينا كينونة ذلك الحياء المطلوب وبقية الخجل المذموم، ولم يدركوا الفروق الكبرى والبون الشاسع بين هذين المصطلحين، وقانون هذين الخلقين. تذكر دائمًا أن الحياء لايمنعك أخذ حقك، رغم أن الخجل يجبرك أحيانًا على التجاهل بضعف والتغاضي بخوف. وتذكر كذلك أن الحياء يتناسق كثيرًا مع القوة، فالحياء يعني القوة على كسر ردات الفعل وحظوظ النفس، في حين أن الخجل يرتبط بالضعف والخوف والانكسار. الحياء خلقٌ سامٍ؛فلندرك ماهيته التي أودعها الله لكل من الجنسين، وندرك أيضًا كيف ننمي تلك الفضيلة بالحفاظ عليها؛ كي لا تتجرد النفس من هذه الفضيلة الرفيعة، وليحافظ عليها كلُّ أنثى وذكر؛ كي نرتقى بمجتمع سالمٍ مزدهر.

 

بقلم / غفران طلحة محمد عثمان

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *