دور الهواية في المسرح

إذا التفتنا اليوم حولنا وساءنا ما ساءنا فلابد أن جانبا كبيرا مما ساءنا يرجع إلى إفتقادنا لروح الهواية التي كانت دائما أساس كل نهضة عرفها المسرح.. بل كل نهضة عرفتها فنوننا جميعا وهذا لا ينطبق علينا وحدنا بل على كل شعوب الأرض وكل العصور.. ذلك لأن الهواية تقترن بالإبداع الفني واقتران الروح بالجسد.. فإذا كانت الموهبة الفنية الفطرية والموروثة هي أساس عملية الإبداع فإن الهواية هي التي تدفع صاحب الموهبة اإلي صقلها بالدراسة والمران وتتبع الأعمال البارزة ومحاولة محاكاتها والتنقيب عن مبدعيها والافتنان بهم وبأعمالهم.. إلي أن يستقل الفنان أو الهاوي ويشق لنفسه طريقه الخاص المتميز فيحترف ويشتهر وقد لا يحترف أبداً ويظل مع ذلك مخلصا لفنه الذي يهواه.. هذه هي علاقة الهواية بالإبداع الفني بصورة مبسطة…. غير أن الفنان المحترف مهما إشتهر وكبر يظل دائما بحاجة إلى روح الهواية.. أي حبه لفنه وغيرته عليه ويوم يفقدها فإنه يتحول من فنان خلاق إلي صانع ماهر والفرق بين الاثنين كبير جدا.. وتلك من أهم آفات المسرح المعاصر وأسرار أزمته المزمنة إذ تحول غالبية ممثلنا من هواة متحمسين غيورين إلي (عمال ترحيلة) في سبيل الحلقات التلفزيونية بمستواها المعروف. في حين أن المسرح أحوج الفنون لروح الهواية الصادقة لأن الصلة فيه مباشرة بين الفنان وجمهوره ومن ثم يصعب عليه إقناعه بفن زائف متعجل.. كما أنه فن جماعي يتطلب تضافر جهود مجموعة كبيرة من الفنانين ما بين كاتب وممثل ومخرج ومصمم ديكور ومهنذس إضاءة وموسيقى وخلافه.. فأي صلة ممكن أن تجمع بينهم وإبداعتهم غير روح الهواية الصادقة؟ وهذه الطبيعة الجماعية التي ينفرد بها المسرح عن بقية الفنون هي التي جعلته دائم الاعتماد على جماعات الهوايه منذ أقدم العصور.. إن تاريخ المسرح في العالم هو تاريخ كبار هواته دون تقليل من شأن المحترفين أو إستهانة بدورهم وإنجازاتهم وأفضالهم على المسرح في مختلف مراحله فقد بدأوا جميعا هواة والثابت أن أعظمهم شأنا وأقواهم أثرا في تطور المسرح وتقدمه ظلوا متحفظين بروح الهواية حتى آخر أيامهم.

أ. محمد يسري