
العالم الموسوعي عباس بن فرناس وآثاره الحضارية العالمية
تمهيد
الحضارة الإسلامية العربية من الحضارات العالمية التي قدمت للبشرية ما استطاع الإنسان أن يسخره لمنافعه وحياته، وأن يبني عليه ما هيأ للإنسان خطوات التقدم والتطور في العصور التالية إلى هذا اليوم، فتراث الآداب العربية، غني بكنوزه العلمية، كما هو غني بكنوزه الأدبية.
فقد كان للأندلسيين جهد واضح، ونشاط مشرف في ميادين الحضارة المختلفة، حيث شهد القرن 3هـ/9م في الأندلس ازدهارًا حضاريًا في العديد من وجوه النشاط الإنساني، ومنها – بطبيعة الحال- الميدان العلمي، حيث شهد تاريخ العلوم الإسلامية الكثير من العبقريات، التي استطاعت خلال ظلمات العصور الوسطى، أن تحقق أروع الغزوات، في ميادين العلوم المحضة، كالطب والكيمياء والرياضيات والفلك والنبات والحيوان وغيرها، وأن تمهد باكتشافاتها العظيمة الطريق للأجيال اللاحقة من علماء العصر الحديث، وقد كان عباس بن فرناس أعجب هذه العبقريات العلمية الأدبية الإسلامية، ذلك أنه لم يقتصر على معالجة البحوث العلمية التي كانت سائدة في عصره، ولكنه جنح إلى أنواع فريدة لم يفكر فيها إنسان من قبله، وامتاز بصفات عديدة، قلما تجتمع في شخصية علمية وأدبية أخرى.
أولًا: أصوله ونشأته
من منطلق ما تناولته الكثير من المصادر عن عالمنا، فمن المؤكد أن تكون تسميته: أبا القاسم عباس بن فرناس بن وَرداس التاكُرُني المغربي، في إشارة واضحة إلى أن أصوله تعود إلى أصول بربرية مغربية حيث ينتمي إلى البربر الذين هاجروا من بلاد المغرب إلى بلاد الأندلس واستقروا فيها، وكانت منطقة تاكُرُنا من أشهر المناطق التي استقر بها البربر، حيث اختار البربر منطقة رندة الجبلية فسكنوها، وسميت تاكرنا باسم بعض قبائلهم، وكانت من المناطق التي شهدت مشاركة فعالة من قبل البربر حيث كان لهم دور كبير في قيام دولة بني أمية في الأندلس.
لم نقف على تاريخ ولادة هذا العالم الجليل، غير أن المصادر التي ترجمت له ذكرت أنه: توفي سنة 274هـ/887م، وأنه أربى على الثمانين عامًا، فتكون ولادته في آخر القرن الثاني للهجرة، أي حوالي سنة 194هـ/809م، أما عن نشأة ابن فرناس العلمية فكانت في قرطبة قاعدة العلوم ومركز الآداب، التي ارتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا بالعلم، ولعله استغل فرصة نشأته في قرطبة فانتهل فيها الكثير من العلوم والمعارف، فعنايته بطلب العلم عكس ميله الطبيعي إلى البحث العلمي والتجديد والإبداع بل تجاوز به الحد إلى الاختراع والتطبيق العملي لكل ما تعلمه حتى لقب بحكيم الأندلس.
ثانيًا: العالم الموسوعي عباس بن فرناس
رغم كون أن شهرته كانت في مجال الطيران، كصاحب أول تجربة فريدة للطيران، إلا أنه برع في مجالات أخرى غير الفضاء والفلك حيث كان من علماء النحو واللغة، ومع أنه لم يصلنا من آثاره ما يشهد على مكانته فيهما إلا أن الباحث يستطيع أن يلمح الثقافة النحوية باديةً فيما وصلنا من أشعار، فقد تميز في أشعاره بتعبيرات بلاغية ونحوية غاية في الإبداع والتميز، مما يدلل ذلك على مدى إتقانه لعلوم اللغة والنحو، ويثبت على أنه كان مشاركًا بقوة علماء عصـره في علوم اللغة والنحو.
وإذا ما انتقلنا إلى دوره في علم العروض، فنجد أنه قدَّم خدمة كبيرة للشعراء والمتخصصين في مجال اللغة بفكه رموز كتاب المثال للخليل بن أحمد، فالأمير عبد الرحمن الأوسط 206-238هـ/822-852م استطاع من خلال أحد وكلائه التجار في المشرق من الحصول على كتاب المثال للخليل بن أحمد، فعندما وصل خبر ذلك الكتاب إلى ابن فرناس انطلق مباشرة إلى الأمير يطلب منها تسليمه ذلك الكتاب لدراسته، مما دفع ذلك الأمير المثقف الواعي لمنحه إياه لدراسته والوقوف على ما فيه، وبالفعل استطاع ابن فرناس بعبقريته التي لا تُبارى وذكائه المتوقد من تحقيق كتاب العروض، وشرح ما فيه، كما نجح في فك رموز العروض، واستطاع فهمه، فكان أول من فك العروض في الأندلس، وأصبح من الشعراء المجيدين، والخطباء البلغاء المفوهين، كما أبدع في فنون التعاليم القديمة والحديثة والفلسفة، التي برع فيها، فاشتهر بالحكمة، فوصف عدد من الباحثين بأنه الفنان، والمثقف، والنابغ، والعالم، والشاعر، والأديب، المهندس، والفلكي والفيلسوف، والكيميائي، والطبيعي.
وبرز ابن فرناس في علم الموسيقى والألحان، بفضل قربه من القصر ومجالسته للأمراء في مجالس الغناء والموسيقى، فكان يؤلف القصائد للجواري لتغنيها، أي عمل كملحن ومؤلف للأبيات الموسيقية والغنائية، فلا شك أننا أمام شخصية موسوعية، دفعها اجتهادها وحرصها على العلم إلى التأثير في الكثير من المجالات العلمية والأدبية.
ثالثًا: ابتكارات ومخترعات عباس بن فرناس
عند الحديث عن ابن فرناس وعلاقته بالعلوم الطبيعية، سنجده برع في مختلف أنواع العلوم الطبيعية، فالعلوم الطبيعية وفروعها كالطب، والرياضيات، والفلك، والكيمياء، فكان أبصر الناس بالنجوم وأعلمهم بدقائقها، وأعرفهم بالفلك ومجاريه، إلى جانب مهارته في الهندسة وعمق معرفته بمسائلها، فهو عالم موسوعي لم يتخصص في فرع واحد من فروع العلوم والمعرفة، ولم يقتصر على علم دون آخر، فنجده يشارك في ميادين الحياة العلمية والثقافية المختلفة في الأندلس.
ففي الفترة التي أقبل فيها على دراسة العلوم الطبيعية وفروعها، وبرع في الكثير منها، كانت هذه العلوم في نفس تلك الفترة عصر الإمارة الأموية لم تشهد إقبالًا كبيرًا على دراساتها، حيث ظهرت بوادر الاشتغال بها في منتصف القرن الثالث الهجري في أواخر عصر الإمارة وذلك في عهد الأمير الخامس من أمراء بني أمية وهو الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط 238-273هـ/852-886م.
لقد اهتم ابن فرناس بقراءة خصائص الأمراض، وأعراضها، وتشخيصها، واهتم بدراسة طرق الوقاية من الأمراض، وتوصل إلى الخواص العلاجية للأعشاب والنباتات، وكان في سبيل ذلك يقصد الأطباء، ويناقشهم فيما بدا له من اطلاعه في هذه الصنعة الجليلة، التي تحفظ البدن، وتقيه من آفات الأدواء، والأعراض، وقد اتخذه أمراء بني أمية في الأندلس طبيبًا خاصًا لقصورهم، انتخب من مجموعات من الأطباء المهرة لشهرته، وحكمته، وأسلوبه الجاذب عند إرشادته الطبية الخاصة بالوقاية من الأمراض، وإشرافه على طعام الأسر الحاكمة، لإحراز السلامة من الأسقام والأمراض.
وانتهت تجاربه في ميدان علم الكيمياء إلى تطوير صناعة الزجاج من الرمال والحجارة، كما عمل على تحويل المعادن إلى ذهب عن طريق الصهر فترات طويلة، واخترع شيئًا شبيهًا بالقلم الحبر لتوفير الجهد الكبير من حمل الأقلام والمحابر.
ولم يقتصر على ذلك بل أبدع في مجال البحث العلمي في الأندلس منذ وقت مبكر، فقام بإجراء الأبحاث العلمية بغية الوصول إلى حقائق علمية سلمية، فاختراعاته ومساهماته العلمية على الصعيد التطبيقي كثيرة ومتنوعة، وهي كفيلة مع معارفه المتنوعة أن تجعل منه شخصية فذة قلما أن نجد لها نظيرًا في تاريخ الحضارة الإسلامية في تلك الأزمنة المتقدمة، حتى أنه وصف بحكيم الأندلس، لكثرة الاختراع والتوليد واسع الحيل حيث وصف بأنه صاحب نيرنجات، أي علم الخيالات، حيث استطاع أن يحول قوته الخيالية والعلمية إلى ابتكارات واختراعات ملموسة، فمن أهم مساهمات واختراعات ابن فرناس:
- تجربة الطيران
اشتهر عباس بن فرناس بالقيام بأغرب وأعظم تجربة في التاريخ، واقترن باسمه محاولته اختراع آلة يستطيع الإنسان أن يطير بها في الجو، وقد انتهى بالفعل إلى القيام بتجربته الخطيرة على مشهد من أهل قرطبة الذين اجتمعوا لرؤية أعجب وأغرب تجربة علمية في التاريخ، “فكسى نفسه الريش على سرق الحرير ، ومد لنفسه جناحين على وزن وتقدير قدره”، ثم صعد إلى ربوة عالية بناحية الرُّصافة، واندفع منها في الهواء طائرًا “فحلق فيه حتى وقع مكان مطاره على مسافة بعيدة”، ولكنه وقع على ظهره لأنه أغفل جزء مهم جدًا في تلك التجربة هو الذيل، “ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه، فتأذى في مؤخره أي ظهره، ولم يدرِ أن الطائر إنما يقع على زمكه، ولم يعمل له ذنبًا”.
أروعت وأعجبت تجربة الطيران المشاهدين من أهل قرطبة، الذين ساروا يتحدثون عن تجربة العالم المخترع ابن فرناس في كل مكان، وتبعه في محاولة الطيران عدد من المغامرين العرب والأوروبيين.
- نافورات المياه وصناعة التماثيل
برع ابن فرناس في مجال الهندسة فنجح في تصميم مجسمات وأشكال هندسية في شكل تماثيل على هيئات مختلفة، من المرجح أنها كانت في شكل صور استوحاها من الطبيعة كالطيور والحيوانات والفضاء وغيرها، فكان مهندسًا متمكنًا من فنه، إذ كان يضع التصاميم للتماثيل والطرف العجيبة، ويستعين في تنفيذ هذه التصاميم، بالمهندسين والنجارين.
يتضح من هذا أن عباس بن فرناس كان له أعمال في ميدان استخراج المياه ورفعها وتمريرها عبر مجسمات جميلة وكان يتخير وبتوجيه من الأمير محمد المهندسيين والبنائيين والحرفيين لتنفيذ الأفكار الجديدة التي كان يأتي بها في هذا الخصوص.
ج- القبة السماوية
انعكس اهتمام عباس بن فرناس بعلم الفلك إلى ترجمة عملية في حياته حيث صنع ما يشبه أو ما يعرف عندنا اليوم باسم القبة الفلكية أو القبة السماوية، ورغم أن عباس بن فرناس أنشأ الكثير من الاختراعات المرتبطة بالفلك، إلا أن القبة السماوية أو الفلكية تعد واحدة من أعظم اختراعاته، فأقام قبة فلكية أو سماوية تمثل أو تشبه السماء بنجومها وغيومها وروعودها وبروقها.
ومن المرجح أن عالمنا الموسوعي ابن فرناس نجح في تصميم قبة سماوية استطاع من خلالها أن يجسد ما يحدث في الفضاء من أصوات وومضات وغيرها من الأجسام الفضائية، فقد كانت القبة كبيرة الحجم إلى الدرجة التي تسمح للمرء أن يجلس تحتها ويشاهد الظواهر الكونية والفلكية، ويظهر أنه كان يستخدم تقنية خاصة لهذا الاختراع من أجل إصدار أصوات كالرعد ومن أجل إصدار وميض أو إضاءات تمثل البرق ولمعان الكواكب، فكان هذا الصوت يصدر عن آلة تعمل كالرحى، كما أنها تصدر أضواء تمثل البرق.
د- المنقانة
المنقانة أو المنجانة أو الميقاتة (الساعة) وهي آلة فلكية لمعرفة الأوقات، صنعها دون أن يستعين بأية دراسات أو مصادر سابقة، فقال : أنه صنعها “على غير رسم ومثال”، ويتبين لنا من خلال ما تقدم أنها تشبه الساعة وهي لمعرفة الزمن والوقت، وكان الهدف منها معرفة وقت كل صلاة، وبعد أن انتهى عباس بن فرناس صناعة تلك الآلة قدمها هدية للأمير محمد ونقش عليها أبياتًا من الشعر :
ألا إِنني لِلدَينِ خَيرُ أداةِ ولَمْ ترَ شمسُ بالنهارِ ولم تُنرْ بِيُمنِ أميرِ المسلمينِ مُحمَّدٍ
| إِذا غابَ عَنكُمْ وَقْتُ كلِّ صَلاةِ كواكِبُ ليْلٍ حاِلكِ الظُّلُماتِ تَجَلَّتْ عن الأوقاتِ كلُّ صلاةِ
|
هـ- ذات الحلق
اخترع عباس بن فرناس عدد من الآلات الفلكية الدقيقة، فقد عمل أيضًا آلة فلكية سماها ذات الحلق تتكون من عدة حلقات متداخلة في وسطها كرة معلقة تمثل حركة الكواكب السماوية، وكانت صناعته لتلك الآلة قبل المنقانة، وبعد أن انتهى منها رفعها للأمير عبد الرحمن الأوسط، ونقش عليها أبياتًا من الشعر قال فيها:
قد تَمَّ ما حَمَّلْتَنِي من آلةٍ لو كان بَطْلَيْموسُ أُلْهِمَ صُنْعَهُ فإذا رأَتْهُ الشمسُ في آفاقِها ومنازِلُ القَمَرِ التي حُجَبِت مَعًا فَيَرَوْنَ فيها بالنهارٍ كما بَدَتْ
| أعيا الفلاسِفَةَ الجهابِذَ دُوني لم يشتغِلْ بجَدَاولِ القانونِ بَعَثَت إليهِ بنوُرِها الَموزُونِ دونَ العيونِ لكُلِّ طالع حِينِ بالليلِ في ظُلُماتهِنَّ الجونِ
|
و- صناعة الزجاج
تفوَّق عباس بن فرناس في ميدان العلوم البحتة، وهو الميدان الحقيقي الذي تفتحت مواهبه المدهشة، ذلك أنه انكب على معالجة البحوث الطبيعية والكيميائية والفلكية، ولم يقتصر في معالجتها مثل كثير من أسلافه على النواحي النظرية والتجريبية، لكنه اندفع إلى ميدانها العلمي، وانتهت تجاربه في ميدان الكيمياء الصناعية إلى صناعة الزجاج، فيعد عالمنا الموسوعي، وحكيم الأندلس أول من استنبط في الأندلس صناعة الزجاج من الحجارة والرمال، فكان لظفره بهذه الاكتشافات دوي عظيم، وكانت له فيما بعد نتائج باهرة، ومنها جاءت فكرة النظارات الطبية (كشف النظر)، وطارت شهرته في سائر أنحاء الأندلس.
رابعًا: محاكمة العالم الموسوعي عباس بن فرناس
رغم ما قام به العالم الموسوعي عباس بن فرناس في كافة المجالات، واشتغاله بهذه الاختراعات والعلوم، وتقديم خدمات جليلة للإنسانية في مختلف العلوم والمعارف، إلا أنه “كثر عليه الطعن في دينه”، واتهم بالزندقة وكثر خصومه ومنتقدوه، إذ كان العمل في بعض هذه الاختراعات مدخلًا إلى وصمه بالزندقة، ففي محاولته الطيران مثلًا يمكن اتهام عباس بن فرناس بأنه حاول الصعود إلى السماء، وقد سخر منه معاصره الشاعر مؤمن بن سعيد، كما سخر من قبته الفلكية، واتهمه بأنه أراد تقليد الخالق في سمائه، فاتهمه أنه أراد أن يكون خالقًا، مع أنه لا خالق إلا الله.
كما ربط الشاعر مؤمن بن سعيد بين ابن فرناس واشتغاله بالسحر والكيمياء وبين الطعن عليه في دينه حيث يقول “أنه كان واسع الحيل حتى نُسِبَ إليه السحرُ وعمل الكيمياء وكثر عليه الطعنُ في دينه”، فما بالك إذا اجتمع ذلك كله مع الغناء والموسيقى وصناعة التماثيل، في عصر مثل الذي كان يعيشه عالمنا الموسوعي في ذلك الوقت، فقد كان اتهامه بالزندقة مرده إلى خصوماته مع معاصريه من الأدباء وتحاسده معهم، نتيجة لتفوقه العلمي، وإبداعاته الحضارية واختراعاته العجيبة.
كان من نتائج تلك العداوة أن نجح مؤمن بن سعيد بمساندة عدد من الفقهاء والأدباء الساعين بابن فرناس ومبتكراته، النيل منه وتقديمه إلى محاكمة هدفت للإطاحة به، فقد أثار هذا العلامة الفذ ببحوثه واختراعاته العلمية الفريدة، حسد الفقهاء وشكوكهم، كما أثارت بحوثه الكيميائية والفلكية بداره بالربض الغربي من قرطبة ثم محاولته للطيران، ظنون الكافة ودهشتهم، واعتقادهم أن الرجل مارق، يتمتع بقوى شيطانية خارقة، وقد أثمرت سعاية خصومه من الأدباء والفقهاء وغيرهم في النهاية إلى اتهامه بالكفر والزندقة، وإتيان الخوارق الشيطانية، فاعتقل وقدم للمحاكمة، أمام قاضي قرطبة سليمان بن أسود الغافقي، وعقدت المحاكمة بالمسجد الجامع، وهرع الناس لشهودها، واجتمع حشد من العامة ممن وصفوا بالغباء أو الجهل للشهود عليه، وقد نقل ابن حيان بعض أقوال أولئك الشهود، فمنهم من قال: سمعت ابن فرناس يقول: “مفاعيل مفاعيل”، ومنهم من قال: “رأيت الدم تفور من قناة داره ليلة ينير” إلى غير ذلك مما يصف ابن حيان “بأحموقات من غتراء شهود عليه ذوي جهل وقدامة”، وكان القاضي سليمان بن أسود بالرغم من صرامته، ذهنًا مستنيرًا، فلم ترقه تلك الترهات، ولم يجد فيها طائلًا، فشاور جماعة الفقهاء، فيما قيد منها، ولم يجد سبيلًا إلى مؤاخذة ابن فرناس، وقضى ببراءته وإطلاق سراحه.
الخاتمة
ساعدت موسوعية عباس بن فرناس على إبداعه وابتكاره ليس في مجال واحد، بل في الكثير من المجالات، فابتكر الكثير في مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية، والفلك والهندسة والطب.
وفي النهاية أثبتت الدراسة أن سبب محاكمة عباس بن فرناس هو حسد عدد من المثقفين له على تفوقه العلمي وإنجازاته وابتكاراته في مختلف الفروع، الأمر الذي دفعهم إلى اتهامه بالزندقة، وهو ما جعل القاضي يقضي ببراءته من تلك الاتهامات، بل ويشهد ببراءة اختراعاته، وسلامة حواسه الفكرية والعلمية والأدبية.