الكاتب المغربي أحمد بنسعيد وحوار صريح:
الكتابة للطفل تجمع بين المتعة والإفادة المقيدة بالأخلاق وحسن السلوك

حوار _ خديجة بوكة

أحمد بنسعيد؛ كاتب مغربي للأطفال ولد في 13 – 12 – 1971، نال إجازته من جامعة محمد الأول بوجدة، وتابع دراسته في السلك الثالث بجامعة محمد بن عبد الله بفاس. التحق بالمجلس العالمي لكتب اليافعين IBBY سنة 2007م، اشتغل بالعمل التطوعي لصالح الأطفال اليتامى والذين يعانون الهشاشة لمدة عشر سنوات.  له عدة أعمال وكتب مطبوعة للأطفال، وله أيضا مقالات متنوعة في الكتابة للطفل وأدب الطفل، وله أيضا مشاركات متعددة في مختلف المجلات الورقية والرقمية العربية للطفل.

وله كتابات ناجحة للكبار ولكنّه آثر بقلمه عالم الطفل الذي سخر له كامل وقته وجهده وخبرته.

من بين كتبه: عمر الذكي واللصوص. 1997م بوجدة. وأطفال درب الحياة، مسرح 2000م بوجدة. ومغامرات القرصان همّام، رواية 2002م بالدار البيضاء.

 – رجل الدار – L’homme de la maison مسرح، 2002م بوجدة.

–  ويتامى الحرب (وأربع حكايات أخرى)، دار أصالة لبنان. 2017م

– سأصنع مزلاجا. دار عصافير الإمارات 2018م. وحكايات عربية للأطفال. كتاب جماعي تطوعي، المركز القومي لثقافة الطفل العربي، مصر 2018م. وفتيان الصحابة، إصدار: مجلة أنس بالسعودية. 2018م.  (والقائمة طويلة) .

وفى إطار هذا الحوار ..

– حدثنا كيف كانت بداياتك في مجال الكتابة للأطفال؟

أتذكر أنني كتبت أولى مخطوطات رواياتي وعمري 14 سنة وكانت بعنوان (الشيخ الأمين)، ثم كتبت الثانية في نفس السنة، وكان شغفي بالكتابة مبكرا جدا، لطالما أحسست أنني خلقتُ لأكتب للأطفال، ولأخدمهم وأخدم عالمهم، حتى أنني كنت أسعد حين يصفني أحدهم بـ(خادم الأطفال). ولكنني لم أطبع حكايتي الأولى إلا سنة 1997م، أي وعمري 24 سنة. طبعا بداياتي من الناحية العاطفية تمثلت ولا تزال في رغبة متأججة جارفة طُموحا في وضع بصمة راسخة في عالم الطفل والكتابة للطفل. وما يميز بدايات جيلنا أنّ مسألة الانفتاح الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي لم تكن متوفرة آنذاك أمامنا، حيث كنا نرسل الرسالة الورقية عبر البريد فتمكث أشهرا لتصل مجلات الطفل في الجزيرة العربية على سبيل المثال، هذا إن وصلتْ وقُرئت. وأمّا التواصل بدور النشر فكأنك تصعد جبل الهيمالايا، يتطلب سفرا وتفاوضا ثم عودةً غالبا بِخُفّي حنين. بخلاف الحال اليوم الذي أصبح فيه التواصل ممكنا جدا وبضغطة زر قد تحقق الأعاجيب إذا كنت متمكنا والتقيتَ بالصادقين. 

– هل الكتابة للأطفال تتطلب مواصفات خاصة يجب أن تتوفر في الكاتب الذي يكتب للأطفال؟

لعل سؤالكم الكريم يفتح لي بابًا كنت قد تأملت فيه منذ مدّة، ودفعني لأراجع أقوال كبار الكتّاب الذين تراجعوا عن الكتابة للطفل، واعترفوا بصعوبتها.

 ترى لماذا هل يعجز كاتب كبير وحائز على جوائز أن يستعمل لغته و يبسطها للطفل، وهو صاحب الملَكة والخيال الخصب؟؟وأدركت أن السبب بعيد كل البعد عن هذا الأمر، وهو سبب غير مصرَّح به، بل يكتفي الكاتب بقوله: (لا أستطيع الكتابة للطفل) أو (المجال ليس مجالي) أو (الكتابة للطفل صعبة) … وأحيّي في هؤلاء الكتّاب صراحتهم وواقعيّتهم … لأنّ الأمر جدّ حساس وجدّ دقيق.

– ترى ما هو وجه الصعوبة في الكتابة للطّفل ؟ وهل تتطلب مواصفات خاصة؟

 ** الكتابة للطفل إضافة إلى ملَكة الكتابة وقوة الخيال وبساطة الطرح … تتطلب مواصفات تربوية قد لا يتحملها عدد من النّاس، إذ لا يُعقل أن يكتب الكاتب للطفل عن الأمانة والصدق والإحسان والكرم والسلام والمحبة ومحاربة المخدرات والتدخين . وهو يفعل عكس ذلك. الكتابة للطفل تجمع بين المتعة والإفادة، هذه الإفادة المقيّدة بالأخلاق وحسن السلوك بهدف إخراج مواطن صالح لنفسه ولمجتمعه وللكون كله. الكاتب كأنه يمشي على طريق شديدة الوعورة شديدة الحدّة …

كيف يمكن إثارة اهتمام الأطفال في هذا النوع من الكتابة حتى لا يشعروا بالملل في إطار العولمة والانفتاح على العالم الخارجي؟

سؤال ذكي ويحمل من التحدي الشيء الكثير، حين نتحدث عن التقدم التكنولوجي الحاصل، فإننا نتحدث عن التكنولوجيا التي هي جميعا مجرّد أدوات ووسائل.

– وبماذا سنملأ هذه الوسائل؟ 

** التطبيقات الموجودة الآن على سبيل المثال الفيسبوك اليوتيوب وغيرها … مجرد أواني تُملأ بما شئت، ولا تقف كَنِدّ أو كخصم لكتّاب أدب الطفل، بل على العكس من ذلك هي تنتظر اجتهادهم وتجديدهم لتقديم ما يُبهر الطفل ويأخذ بقلبه ولبّه … طلّة خفيفة على أطفال اليوم، نراهم يشخصون بأبصارهم في الهواتف، ترى لماذا؟لأ أنهم يجدون ما يمتعهم ويدهشهم من مواد مختلفة ومتنوعة. إذن هذا هو المطلوب من الكتّاب باعتبارهم القوة الفكرية المبدعة في المجتمع، عليهم أن يفكروا ويطوّروا خطابهم للطفل، وأن يعيشوا معاناة الطفل وأحلامه وواقعه وأشواقه …

من بين المعاناة التي ذكرتها مريم أمجون القارئة المغربية الصغيرة ذات التسع سنوات والتي حازت على إحدى أكبر الجوائز العربية، أنها لم تجد كتبا تناسب سنّها، فقرأتْ بالتالي لعنترة وغيره …

 هذا الأمر يدعونا لطرح السؤال التالي: أليست لدينا كتابات تثير اهتمام أطفالنا، وجديرة بأن تملأ المواقع والقنوات والتطبيقات المعاصرة؟  ** بل يوجد، ولكنّ هذا الإنتاج  لا يلقى التشجيع، ولهذا نرى كتّابنا الآن يتّجهون لدور نشر عربيّة ودوليّة لفتح آفاق النشر وكسر حدود قمع ما لديهم من إنتاجات ممتعة ومفيدة للأطفال.

هل يمكنكم الحديث عن تجربتكم الجميلة كيف تصبح كاتبا للأطفال؟

** (كيف تصبح كاتبا للأطفال) ثمرة مجهود كبير جدا، وعرق متواصل لثلة من الغيورين عن مجال أدب الطفل العربي، استثمروا التطور المعلوماتي الحاصل وتطبيقات التواصل الاجتماعي المعاصرة لأجل الإنتاج. وقد أسفرت خلال سنوات تأسيسها الثمانية عن تطور ملحوظ، وعدد كبير من المبادرات التي يحقّ لنا أن نفتخر بها منها:

– أسبوع الكتابة للطفل؛ الذي سيعرف دورته السابعة في آخر أسبوع من دجنبر 2021م والذي يرحب بكلّ كاتب(ة) أراد أن ينتج شيئا للأطفال.

 وإهداء كتاب الطفل، يعتبر إنجازا هائلا جدا، والذي وجد قبولا لا مثيل له، وشاركت فيه عدد من الدول العربية في 10 فبراير الماضي (تأريخا ليوم ميلاد الكاتب المصري الكبير يعقوب الشاروني) وبموافقته، وسيعرف دورته الثانية في نفس التوقيت من كل سنة. ولا ئحة نجوم الكتابة للطفل، والتي تحتفي سنويا بتدوين ثلاثة أسماء عربية قدمت الكثير للطفل، مع تميزها بالأخلاق العالية والتي عرفت دورتها الأولى في شتنبر الماضي، مدونة أسماء: الأساتذة الكرام: روضة الهدهد، العربي بنجلون، ومحمد جمال عمرو.  لذلك: موقع (كيدزون) الذي أسسته الأستاذة روند البايض، وهو فضاء واسع للكتابة للطفل وحوله.ومجلة (غيمة) الإلكترونية التي أسستها الأستاذة روند دائما، والتي ستصدر عددها الثاني في دجنبر 2021م. لقد أصبحت مجموعة (كيف تصبح كاتبا للأطفال) اليوم فضاءا واسعا للتلاقي وطرح التساؤلات والانشغالات وخاصة المبادرات الجادة لخدمة الطفل وأدب الطفل، وللعلم فالجميع يشتغل بشكل تطوعي وبكل محبة، خدمة لعيون الصغار.

– هل هناك أدباء متخصصون في أدب الطفل بالمغرب وما هي الأسماء التي كان يقرأ لها أحمد بنسعيد الطفل؟

** أذكر لسيادتكم سرا، ربما أذكره لموقعكم لأول مرة؛ أحمد بنسعيد الطفل عاش محروما من مجلة الأطفال ومن قصة الأطفال ومن دخول النادي الرياضي للأطفال أو النادي الثقافي للأطفال … إلا مِن قراءة كتاب: (اقرأ) وحكايات أحمد بوكماخ رحمه الله والتي كنت أطالعها في المقرر الدراسي مثلي مثل الآلاف من تلاميذ ذلك الوقت. ولعل هذا الحرمان بالضبط  هو سرّ كل هذا العطاء، وسرّ كلّ هذا الصمود رغم كل العقبات، ومهما تكن التحديات …لطفل كما اتفق العلماء والمربون هو أبو الرجل، ومن الواجب علينا كمجتمع كبار أن نلبي كامل احتياجاته مضحين في ذلك بالغالي والنفيس …

يما يخص الأدباء المختصين بالكتابة للطفل في المغرب؛ نعم لدينا أسماء طبعا أعطت ولا تزال تعطي الكثير ولكنها لا تكفي بشكل نهائيّ، وأتذكر هنا ارتسام قارئتنا الصغيرة مريم أمجون ذات التسع سنوات، والتي صرحت قائلة أن من بين العراقيل التي صادفتها أنها لم تجد كتبا تناسب مستواها، فانكبت طبعا على قراءة عنترة بن شداد وأمثاله … وأذكر من بين الأسماء القلائل التي نعتز بها خائفين عليها أشد الخوف من التعب والتوقف: المرحوم أحمد عبد السلام البقالي. ونجم الكتابة للطفل أستاذنا وقمر دربنا العربي بن جلون. والذي جمع بين فن الرسم وبين الكتابة العزيز أحمد البهلولي. والكاتب الغيور والصديق المحبوب الأستاذ زهير قاسيمي. والأستاذ الكبير صاحب المكتبة المتميزة للطفل محمد سعيد سوسان … وثلة من الكتّاب الشباب حاملي المشعل؛ ومنهم صاحبة هذا الحوار: الأستاذة المتألقة خديجة بوكة الحائزة على جائزة المغرب للكتاب ادب الطفل والشباب لسنة 2018 والأستاذتيْن زهرة ومليكة ديكر. والأستاذة الحاصلة مؤخرا على جائزة خليفة لأحسن قصة تربوية للطفل حنان سبيبي … وبما أنّ الكتابة للطفل ملتصقة بالرسم للطفل؛ أذكر الفنان رضوان حموشي المختص في القصص المصور الموجه للطفل، ويعذرني من لم أذكر اسمه لأن المجال طويل عريض.

– ما هي آخر إصداراتكم الأدبية؟

**  أهديت للقارئ الكريم روايتي الرقمية لليافعين بعنوان (العمياء) يمكن أن يجدها أيّ متابع بسهولة شديدة على صفحات (غوغل) ويحمّلها، وهي مهداة أيضا لجميع النّقّاد والدّارسين، والمؤسسات التي تعجبها وتريد أن تجعل منها رسوما أو فيلما للأطفال أو دور النشر إن أرادت طبعها للأطفال. وقد أعلن المركز السوسيوثقافي بتطوان في مارس من سنة 2021م مسابقة (أدب الطفل) نال نصي المسرحي (نجم) فيها: المرتبة الثالثة.

حتى أصدقُكم القول؛ فقد مرت علينا المرحلة الطويلة جدا ككتّاب محترفين من أسوإ ما يكون، نظرا لإيقاف المعارض العربية والدولية -بسبب حظر التجمعات-  والتي كانت المورد الأساسي لدور النشر … هذا التعثر سبّب مشكلا كبيرا في سلسلة بأكملها تسمى سلسلة الْكِتاب: (كاتب، مدقق، رسام، مصمم، دار نشر، إشهار، عرض، توزيع).

الحمد لله أننا أصبحنا نرى الآن أولى بوادر التفاؤل والانتعاش تبدو في الأفق راجين من كل قلوبنا أن تستمرّ.  

طبعا لا أنسى في آخر هذا الحوار أن أشكر الأستاذة الكاتبة خديجة بوكة أن فتحت أمامي المجال لأتحدث عن أدب الطفل في المغرب، ومن خلاله عن أديب مغربي مختص في أدب الطفل: آلامه وآماله. وأهنئها مفتخرا كونها تمثل فرع أدب الطفل في الاتحاد العالمي للكتّاب العرب أحسن تمثيل.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *